بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
مقدمة:
يناقش هذا الملف نشأة الوحدات العسكرية الكردية المقاتلة وعدوانها على الشعب السوري وفق تسميات مختلفة تناسلت عبر حزب العمال الكردستاني لينبثق عنها حزب pyd وتفرعات عسكرية تعنى بالرجال والنساء ضمن إطار مشاركتها إلى جانب قوات نظام الأسد وتحالفها ضد فصائل الثورة السورية في محاولة إجهاض تلك الثورة وتمكين الأسد من الاستمرار في السلطة حيث يدور نظامه في فلك السياسة الدولية التي تهيمن على قراره.
ونوطئ لهذا النقاش باستعراض تحليلي لنشاط تلك الوحدات على الصعيدين السياسي والعسكري والتوقف عند أهداف حملتها العدوانية ضد الشعب السوري بكل مكوناته بعد مضي أكثر من خمس سنوات على دخولها الحرب إلى جانب نظام الأسد في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا.
نشأتها:
يرجع تاريخ تأسيس الوحدات العسكرية الكردية في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا إلى عام 2004 وهو العام الذي شهد اضطرابات في تلك المنطقة, قمعها نظام الأسد بعنف, وأعلن عن هذه التشكيلات العسكرية في العام 2012 كجزء من منظومة نظام الأسد لقمع التظاهرات بكل مكوناتها الاجتماعية,وتحولت إلى ميليشيا عسكرية مدعومة من روسيا والولايات المتحدة ونظام الأسد لتنفيذ أجندات خاصة بتلك الدول مقابل إطلاق يدها في القتل والتغيير الديمغرافي في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من سورية.
وتعرف هذه الوحدات بوحدات الدفاع عن الشعب، وتضم في الأساس المكون الكردي في المنطقة وجلهم أكراد قدموا من إيران وتركيا وإقليم كردستان العراق.
وتوجد بين الوحدات الكردية وحدات لحماية النساء أسست عام 2012 م وهي الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المنبثق عن حزب العمل الكردستاني المصنف إرهابيا.
ولم تظهر تلك الوحدات إلا بعد اندلاع الثورة السورية وتحديداً في العام 2012م.
وانسحبت قوات نظام الأسد من مناطق عين العرب وعفرين وبعض مناطق الحسكة بالاتفاق معها وأصبحت جيش الأكراد الانفصالي في سوريا.
ولا توجد إحصائية لعدد عناصر الوحدات الكردية, الذين تضاعفت أعدادهم مؤخرا لقيامهم بالتجنيد الإجباري للقاصرين والقاصرات ضمن صفوفهم وزجهم بمعارك في المناطق الخاضعة لسيطرتها وارتكبت جرائم متنوعة في ملاحقتها للشبان والشابات لإرغامهم على التجنيد فقتلت العديد منهم أثناء فرارهم كما حصل لأطفال في عين العرب والقامشلي.
نشاطها العسكري:
تتكون هذه الوحدات كما أسلفنا من وحدات عسكرية ypk يخدم فيها الذكور, و ypd تخدم فيها النساء,غالبيتهن من القاصرات اللواتي اختطفن وأجبرن على الانضمام لتلك الوحدات.
وهناك عشرات الحالات الموثقة عن تصرفات تلك الوحدات في تجنيد القاصرين والقاصرات. وتدربت عناصر وقيادات الوحدات الكردية في مخيمات حزب العمل الكردستاني في جبال قنديل شمالي العراق, وهي في الحقيقة تمثل الجناح المسلح لحزب العمل الكردستاني في سوريا.
وهذه الوحدات تدفع رواتب شهرية تتراوح بين 150 - 300 دولار لحوالي 30 ألف مقاتل, وتعتمد في تمويلها على الضرائب التي تجبيها من المناطق التي تسيطر عليها, وعلى نهب المحاصيل الزراعية للمواطنين السوريين, وعلى دعم حزب العمال الكردستاني الذي تموله شبكة من المافيات في أوروبا وتركيا. وهجرت هذه الوحدات آلاف المدنيين من شمال سوريا ودمرت منازلهم انتقاما منهم كونهم عربا, كما جندت أطفالا بأعمار تتراوح بين (15-18)عاماً, ونفذت حملات تطهير عرقي كجزء من خطة لديها لربط مقاطعات الجزيرة وعين العرب وعفرين في كانتون واحد.
توسعها العسكري:
تمكنت الوحدات الكردية بدعم روسي أمريكي من قضم أراض سورية واسعة في وقت قصير, وسيطرت على معظم مناطق الشريط الحدودي مع تركيا وعلى معظم مناطق الحسكة وأريافها ومنطقة تل أبيض ومنبج وعفرين وبعض قرى ريف إعزاز، وراحت تتوسع في العديد من المناطق ذات الأغلبية العربية في الريف الشمالي وأحرقت القرى وهجرت الأهالي بهدف التغيير الديمغرافي الذي تنشده.
وأمدتها أمريكا بأطنان من المعدات العسكرية في قتالها ضد مسلحي تنظيم "الدولة" وتغاضيها عن توسع تلك الوحدات في المناطق العربية، وأقامت في مناطق نفوذها قواعد عسكرية في عين العرب والقامشلي.
- علاقاتها الدولية وتحولها من حزب إرهابي إلى مظلومية شبيهة باليهودية في العهد النازي:
برز الدعم الروسي من خلال عمليات التنسيق المشتركة بين الطيران الروسي ومقاتلي الوحدات الكردية في عدة معارك ضد الجيش الحر في ريف حلب الشمالي لمحاولة وصل منطقة عفرين بإعزاز, وأحرزت تقدما كبيرا بعد سيطرتها على عدة بلدات في تلك المنطقة مثل (منغ ومطارها, تل رفعت, دير جمال) وغيرها من بلدات وقرى.
واستغلت توتر العلاقات الروسية التركية لإقامة تحالف روسي كردي, وشهدت العلاقات على المستوى السياسي لقاءات متعددة بين مسؤولين وممثلين عن تلك الوحدات بهدف إقامة بعثة دبلوماسية في موسكو وطالبت بإدراج تلك الوحدات في الوفود المعارضة في أية مفاوضات.
وأكدت مصادر كردية وجود صلات ولقاءات بين الوحدات الكردية وإيران ونظام الأسد, مما يشير إلى وجود أجندة مشتركة تجمع الأطراف المذكورة وتخدم أجنداتهم على حساب الشعب السوري بكل مكوناته.
ومن المعروف أنها تتعاون مع نظام الأسد ما نتج عنه توتر في العلاقات بين الميليشيات الكردية وفصائل المعارضة السورية ووصلت العلاقة بينهما إلى مستوى التحالف ما يعكس تفاهما إستراتيجيا يسمح للأكراد بتحقيق حلمهم الانفصالي، وتحاول الولايات المتحدة أن تصنع منهم قوة حيث وجدت فيهم عملاء يخدمون أجنداتهم فحولتهم من عصابة مدرجة على لوائح الإرهاب إلى قوة "علمانية" تتصدى بمفردها لتنظيم "الدولة"، وصورتهم بما يشبه اليهود في عهد ألمانيا النازية.
الوحدات الكردية قوة احتلال:
إن قوات pyd وتفرعاتها هي قوات وافدة من خارج سوريا، وتقوم بانتهاكات ضد المدنيين واستهدفت بشكل خاص شخصيات معارضة لنظام الأسد سواء كانوا من الأكراد أو العرب أو أي مكون سوري يعارض وجودهم وممارساتهم القمعية، فقد قامت باغتيال المعارض الكردي السوري مشعل تمو، كما اعتقلت بعد احتلالها مدينة تل أبيض المعارض محمد أيمن الطحري أحد أشهر المعارضين لنظام الأسد وتمت تصفيته في معتقلاتها،وكذلك سلمت العديد من ضباط المجلس العسكري الكردي لنظام الأسد.
واعترفت واشنطن أن تلك الوحدات تمثل قوة احتلال على الأرض السورية، فقد ذكر المنسق الأمريكي للتحالف الدولي في المنطقة جون ألين: "إن واشنطن تعارض قيام كيان كردي شمال سوريا، وأكد أن الأكراد أنفسهم لا يدعمون تشكيل كيان حكومي منفصل، وإن سيطرة الوحدات الكردية على مناطق في الشمال السوري بمساندة طائرات التحالف الدولي شكلت ضربة موجعة لداعش مشددا في الوقت ذاته على ألا يتحول شريك مساعد في محاربة داعش إلى قوة احتلال وفق تعبير المسؤول الأمريكي."
ولكن ممارسات الوحدات الكردية وقيامها بحملة اعتقالات طالت قيادات من المجلس الوطني الكردي في القامشلي كاعتقالها إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكردي ورئيس حزب يكيتي الكردي ونفيه الى إقليم كردستان العراق، أثار حملة احتجاجات ضد تلك الوحدات التي لم تتوقف ممارساتها القمعية إذ قامت بالتصفية الجسدية لخصومها السياسيين من الأكراد وهيمنت عسكريا على المناطق التي أخضعتها لنفوذها, ولاحقت أحرار الكرد الذين رفضوا العمل خارج إطار الثورة السورية في الوقت الذي تتحالف فيه تلك الوحدات مع نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية، مما سهل عليها احتلال مناطق واسعة من محافظة الحسكة، ومع تنامي قوتها العسكرية أصبحت لديها نوازع انفصالية من خلال إعلانها المتكرر عن فيدرالية في شمال سوريا، وكل من يتعارض مع مشروعها تتهمه بالانتماء لتنظيم "الدولة" أو التحالف مع تركيا أو الانضمام لائتلاف قوى الثورة السورية.
المشروع السياسي:
يرتبط المشروع السياسي للوحدات الكردية بأجندات الدول الفاعلة والهدف الرئيسي تخريب جهود جمع أطراف المعارضة على رؤية موحدة كالهيئة العليا للتفاوض وتقويض الجهود السياسية الرامية لإطلاق عملية سياسية في سوريا.
ولا يمكن الجمع بين أطراف المعارضة بحسب رؤية مشروع الوحدات الكردية الانفصالية. الذي ترفضه المعارضة كونه يخدم رؤية pyd وموقفها المتماهي مع مواقف روسيا ونظام الأسد وإيران فهي لاتعادي نظام الأسد, إنما نشأت من خلال الاتفاق معه وخاضت معارك مع قوات الأسد ضد المعارضة السورية كما تساند نظام الأسد والميليشيات الشيعية في حصار مدينة حلب المحررة.
وأكراد سوريا لا تضمهم منطقة جغرافية واحدة، بل يتوزعون في مناطق متعددة من الجزيرة السورية وريف حلب الشمالي.
ومعظم أكراد الجزيرة السورية هم من اللاجئين الفارين من تركيا بعد تمرد الشيخ سعيد بيران عام 1925وبلغ عددهم 130ألف نسمة، سكنوا في منطقة جغرافية بين العرب الذين رحبوا بهم كلاجئين وهم يختلفون عن أقرانهم من الأكراد السوريين الذين اندمجوا في بنية المجتمع السوري كأكراد دمشق.
وهذه المناطق التي تقطنها أغلبية كردية متباعدة عن بعضها على امتداد 800 كم على الحدود مع تركيا ضمن عمق لا يتجاوز أحيانا 3كم، غير أن الوحدات الكردية تصر على ضرورة الوصل الجغرافي بين المناطق الكردية, وتداول مصطلح (روج آفا) أي كردستان الغربية، للدلالة على مناطق نفوذ الأكراد السوريين دون النظر لوجود الأغلبية العربية في تلك المناطق وهذا المصطلح يرتبط حصرا بالاتحاد الديمقراطي الكردي الانفصالي.
وأعطت واشنطن فرصة للقوى الكردية لتحقيق تطلعاتها القومية في وصل الكانتونات (الجزيرة وعين العرب وعفرين), وبعد احتلالها لمنطقة تل أبيض أنشأت الوحدات الكردية مؤسسات إدارة محلية مثل بيت الشعب وقوات الأساييش. وللتمويه على مشروعها الانفصالي ولإخفاء هويتها القومية أوجدت "قوات سوريا الديمقراطية", وهللت للتدخل الروسي الذي مهد الطريق أمامها لاحتلال بلدات وقرى شمال حلب انتزعتها من فصائل الثورة السورية المسلحة. غير أن مشروع كانتون تلك الوحدات اصطدم بالموقف التركي الرافض لقيام كيان كردي على حدوده الجنوبية في سوريا, وجاءت عملية "درع الفرات" التي يقودها الجيش السوري الحر لتضع حدا لحلم الانفصاليين الأكراد في اقتطاع جزء مهم من سوريا.
خلاصة
إن ممارسات وحدات الحماية الكردية وعدوانها على الشعب السوري بما فيه المكون الكردي السوري, وارتهانها لتجاذبات النزاعات الدولية في المنطقة يجعلها أحد أكبر الخاسرين وخاصة مساندتها لنظام الأسد سياسيا وعسكريا وإعلاميا, حيث لن يكون لها أي دور في سوريا لتورطها بسفك الدم السوري والكردي, بعد فقدانها الحاضنة الشعبية, واقتصار حضورها في المشهد السوري على التنكيل والتهجير للسوريين واقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم وملاحقة من تبقى منهم وفرض التجنيد الإجباري على القاصرين والقاصرات في سبيل زجهم في معارك ضد الجيش السوري الحر, والمشاركة مع ميليشيات طائفية تعمل لصالح الأسد في حصار مدينة حلب المحررة, وطموحات قادته في تقسيم سوريا من خلال الترويج للفيدرالية المعروفة بـ"روج آفا" والتي تمكن الجيش السوري الحر في عملية "درع الفرات" من وأدها والقضاء على أحلام الأكراد الانفصاليين القادمين من جبال قنديل الذين ارتضوا أن يكونوا مجرد عصا في يد الأسد, وأدوات لتنفيذ أجندة دولية تتنازع النفوذ على سوريا.
وبالنتيجة سيلفظ المجتمع السوري بكل مكوناته ومنهم الأكراد السوريين هذه الوحدات المأجورة التي استخدمها نظام الأسد في قتل الشعب السوري قبل ظهور تنظيم "الدولة", والوقوف ضد طموحات السوريين في بناء دولتهم على أسس ديموقراطية يسودها العدالة والمساواة.